يتصرّف زعيم حزب “حركة الإنصاف” عمران خان وكأنّه المسؤول المباشر عن باكستان، على الرغم من وجوده في السجن: يستنكر تصرفات حكومة بلاده، يطلق التصريحات من مكان سجنه، يُظهر إيحاءات بأنّ السلطات الباكستانية تفاوضه من أجل إطلاق سراحه.. وهو المتهم بأكثر من ملف فساد، أضيف إليها مؤخرًا شبهات بخيانته استقرار باكستان والدفاع عن الانفصاليين وتنظيم طالبان.
فعليمة خان، شقيقة عمران، نقلت عنه قبل أيام دعوته السلطات في بلاده إلى تجنب التصعيد مع أفغانستان، مستشهدًا بمرحلة توليه السلطة في العام 2021، يوم انخفضت الأعمال الإرهابية بشكل ملحوظ، ثم زادت مجددًا في العام 2022، أي بعد تركه لها.
أوحى خان بأنّ فترة توليه منصب رئيس الوزراء كانت فرصة لخفض التصعيد مع حركة طالبان، من دون أن يستنكر أو يدين الاعتداءات التي وقعت مؤخرًا في بلاده. كلام خان تزامن مع قرار الحكومة الباكستانية شنّ عمليات مكثفة في إقليم بلوشستان وإقليم خيبر بختونخوا ضد الانفصاليين الإرهابيين، وكذلك مع فرض القوات الباكستانية حظرًا للتجول في تلك المنطقة، والإعلان عن بدء عملية القضاء على المسلحين العابثين بأمن باكستان.
وعليه، يسأل المراقبون الباكستانيون عن سبب عدم تطرُّق خان لتلك الاعتداءات، واحتمال التعاون بين المسلّحين و”حركة طالبان”، إذ اكتفى بنسبِ الاعتداءات وكثافتها مؤخرًا إلى “تراجع الحوار”، مُقحمًا نفسه في صفّ الانفصاليين في إقليم بلوشستان.
ويتهم الجيش الباكستاني “حركة طالبان” بضلوعها فيما تشهده باكستان من أعمال عنف، وخصوصًا في الهجمات الأخيرة، كما يتهم منفذي الهجمات بأنّهم كانوا على تواصل مع قادتهم في الأراضي الأفغانية.
ويقضي خان حكمًا بالسجن مدة 14 عامًا.. الحكم نفسه طال زوجته بشرى بيبي، لكنّه كان مخففًا، إذ وصل إلى 7 أعوام بعد إدانتهما معًا بقضية من قضايا الفساد المتهم بها خان، وينفي أنصاره صحتها على الرغم من الأدلة التي تدينه، واضعين الأمر في منزلة: “الأحكام المسيّسة”.
ويجادل محللون باكستانيون بأن خان يضلل الرأي العام الباكستاني، إذ يوحي بين الحين والآخر، بلا أي دليل حسّي، بأن السلطات الباكستانية تسعى لعقد صفقة معه.. ولعلّ هذه التصريحات الجدلية التي يُطلقها بين الحين والآخر من محبسه، كتلك الخاصة بـ”حركة طالبان”، تدخل في هذا الإطار.
يتعمّد خان إعطاء إشارات خاطئة من هذا النوع للرأي العام الباكستاني، موحيًا بأن الأحكام التي تصدر ضده هي “أحكام سياسية”. وبينما يؤكد هو وأنصاره أن تلك القضايا ليست سوى “حملة مبرمجة من أجل إبعاده عن السلطة”، فإن قضايا الفساد ما زالت تتوالى ضده مذ ذاك الوقت، وقد أضيفت إليها مؤخرًا التهم الموجهة ضده في الإعلام الباكستاني حول “خيانته وطنه، ووقوفه إلى جانب الانفصاليين”.
وخان، الذي وصل إلى السلطة في العام 2018، خسر تصويتًا على الثقة في البرلمان الباكستاني في أبريل/ نيسان من العام 2022، أي قبل عام واحد من إكمال فترة ولايته.
ومن بين الأدلة التي تكشف تورط خان، ما تقوله أطراف سياسية، كانت في السلطة إلى جانبه في حينه، إذ كشف عضو مجلس الشيوخ الباكستاني فيصل فودا في أحد التصاريح الصحفيّة أنه حذّر خان من خطورة الموافقة على تسوية ملف الغرامات الخاص برجل الأعمال مالك رياض في حينه، كما حذّره مرارًا من أن ذلك سيوصله إلى مواجهة قضية في مكتب “المساءلة الوطني” الباكستاني. ويروي فودا أنه قال لخان ذات مرة: “أن تكون مشهورًا لا يعني أنّك فوق كل شيء آخر”.
أمّا شركاؤه في الحزب، فيعتبرون أن خان قد تعرّض للظلم، وأن المحاكم الباكستانية كانت غير عادلة معه، متعهدين بـ”لجوء الحزب إلى المحاكم العليا” للدفاع عنه.
الصحافي والمدير العام السابق لإذاعة باكستان، مرتضى سولانجي، يقول إن خان “يحاول أن يقترح ذلك (الإيحاء بوجود صفقة مع السلطة) لجعل نفسه ذا أهمية في السياسة، وهذا ربما يمنح أتباعه الأمل. ومع ذلك، فإن روايته السامّة تقلّل من احتمالات التوصل إلى تسوية تفاوضية معه”.
أمّا عن سبب انجراف الناس خلف خان، فيرى سولانجي أن “الباكستانيين يتمتعون بالحق القانوني في دعم أي شخص يريدونه”، وبالتالي فإن “دعم شخص مدان لا يجلب أي مخاطر، ولكن تنظيم الاحتجاجات غير السلمية ومهاجمة الممتلكات العامة والخاصة والهجمات العنيفة ضد مسؤولي إنفاذ القانون يجلب المخاطر بكل تأكيد”.
وأما عن الاستقرار، فيؤكد سولانجي أن الاستقرار في باكستان “له تأثير أكبر على تحسين الحكم، وتفويض السلطات، والوصول إلى سيادة القانون والعدالة والازدهار الاقتصادي”، لكن الأمر الأكيد في نظره أن “عمران خان داخل السجن أو خارجه لا علاقة له بالاستقرار أبدًا”.
وبينما تنفي السلطات في باكستان تدخلها بما يحدث في القضاء، تعتبر أن همّها الأكبر اليوم هو إرساء الاستقرار السياسي والأمني، من أجل التفرغ للشأن الاقتصادي في باكستان التي تعاني من أزمة، إذ يبلغ معدل التضخم فيها قرابة 30%، وتخضع لخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي قيمتها 3 مليارات دولار.
وحافظ الجيش الباكستاني، الذي يُعدّ “البوصلة” السياسية في باكستان، على تماسك البلاد وسط سياسات مضطربة وتهديدات من حركات التمرد في ظل اقتصاد متردٍّ.
ولهذا يسعى الجيش إلى إرساء الاستقرار حتى تتمكن إسلام أباد من التركيز على إحياء اقتصادها، إلا أن الخطر المحدق بالبلاد لم يعد مصدره خارجيًا على ما يبدو؛ فبعد تصريحات خان من داخل سجنه، والإيحاء بأنّه لا يدعم إجراءات السلطات الباكستانية لوقف العمليات الإرهابية ضد بلاده، يبدو أن الخطر بات داخليًا أيضًا.