مرصد الشرق الأوسط
  • الرئيسية
  • الشرق الأوسط
  • أوراسيا
  • أميركا
  • أفريقيا
  • الإقتصاد العالمي
  • خدمات المرصد
مرصد الشرق الأوسط
  • الرئيسية
  • الشرق الأوسط
  • أوراسيا
  • أميركا
  • أفريقيا
  • الإقتصاد العالمي
  • خدمات المرصد
مرصد الشرق الأوسط
مرصد الشرق الأوسط
  • الرئيسية
  • الشرق الأوسط
  • أوراسيا
  • أميركا
  • أفريقيا
  • الإقتصاد العالمي
  • خدمات المرصد
  • من نحن
Copyright 2025 - All Right Reserved
الشرق الأوسط

بلا هواء…بلا ماء…بلا حياة: عن تفكّك البيئة في إيران

رضا فرزين 2025-12-11
رضا فرزين 2025-12-11
A+A-
إعادة ضبط
21

تشبه طهران، العاصمة السياسية لإيران، مريضًا يلهث من أجل التنفّس: كلّ شهيق ملوّث بالسموم، وكلّ زفير يسرق جزءًا من قدرته على البقاء. السماء ساكنة، رماديّة، محاصرة باحتباس حراري يعمل كغطاء غير مرئي يحبس التلوّث داخل المدينة. في الأيام التي يصل فيها مؤشر جودة الهواء إلى مستوى «غير صحي للغاية للجميع»، لا يكون السكان في حالة تنفّس، بل في حالة ابتلاع بطيء للهواء الفاسد. ما يحدث ليس أزمة هواء فحسب، بل هو العلامة الأكثر وضوحًا على اختلال بيئي عميق يطال بلدًا ينهشه الجفاف. قلّة الأمطار، انخفاض الرطوبة، ارتفاع استهلاك الطاقة، استخدام الوقود الثقيل، وإدارة بيئية هشّة، كلها اجتمعت لتُحكم الطوق على قابلية هذا البلد للحياة. لم تعد الأزمة البيئية في إيران ظاهرة منفصلة أو خطية، بل أصبحت سلسلة مترابطة من الماء والهواء والتربة والسكان، يفاقم كلّ منها الآخر.

 

أرضٌ على حافة الانهيار المائي

لطالما كانت إيران جزءًا من الحزام الجاف في العالم، لكن ما تشهده اليوم ليس مجرد دورة طبيعية من الجفاف، بل تحوُّل في النظام المناخي نفسه، انتقال من الجفاف الدوري إلى الجفاف البنيوي. والمفارقة أن إيران، حتى عقود مضت، كانت تمتلك موارد مائية متجدّدة تفوق مجموع ما تملكه دول الخليج مجتمعة: السعودية، الإمارات، الكويت، قطر والبحري، التي تعتمد على تحلية مياه البحر. هذه الوفرة السابقة خلقت وهمًا اجتماعيًا بأن خطر العطش بعيد. لكن هذا الوهم تبخّر بالكامل.

ففي العقود الثلاثة الماضية، أدّى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الهطولات وزيادة التبخّر، إلى استنزاف بطيء ولكن متواصل للمياه الجوفية. وفي العديد من السهول، بلغ الضخّ من الطبقات الجوفية حدًا جعل الأرض تبدأ بالهبوط. وتسجّل بعض المناطق هبوطًا قدره 30 سنتيمترًا سنويًا، وهو رقم فادح مقارنة بالحدّ العالمي البالغ 5 ميليمترات فقط. الأمر لم يعد تشققات في التربة، فالهبوط يدمّر بنية الأرض ويلغي قدرتها على تخزين الماء ويهدّد البنى التحتية ووجود مدن كبرى مثل طهران وأصفهان ومشهد وكرمان. ويتزايد الحديث داخل إيران عن هذا الخطر بوصفه «سرطان التربة».

وفي الوقت نفسه، يعكس وضع السدود صورة لا تقل قاتميّة. فقد كان خريف 2025 الأكثر جفافًا منذ نصف قرن، مع تسجيل 15 محافظة معدّل هطول شبه معدوم. انخفضت واردات السدود بنسبة 38%، وأصبحت ممتلئة بنسبة 32% فقط. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء تقني، بل يعني أن المياه المخزّنة قد لا تكفي لفصلي الشتاء والربيع. أما طهران، التي تعيش عامها الخامس من الشحّ الحاد، فقد وصلت مخزوناتها إلى أدنى مستوى منذ ستة عقود. ويحذّر المسؤولون من أنّ عدم سقوط الأمطار بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول) سيجعل تقنين المياه أمرًا لا مفرّ منه، وفي حال استمرّ الجفاف فإنّ أجزاء من العاصمة قد تصبح «غير قابلة للسكن».

غير أنّ أصل الأزمة أعمق مما يبدو. إذ يستهلك القطاع الزراعي أكثر من 80% من مياه البلاد، غالبًا عبر أساليب ريّ تقليدية تُهدر كميات هائلة. وكلّما تم دعم التقنيات الحديثة للري، ازداد التوسّع الزراعي وارتفع الاستهلاك بدل أن ينخفض. هذا الأمر دفع البلاد إلى الابتعاد عن «المياه الخضراء» المعتمدة على المطر، نحو «المياه الزرقاء» أي ضخّ المياه من الأنهار والطبقات الجوفية. ومع آلاف الآبار الجديدة التي حفرت خصوصًا في العقد الأول من الألفية، خرجت العديد من السهول من دائرة القدرة على التجدّد، وبعض المخزونات الجوفية لن تعود أبدًا حتى لو هطلت الأمطار بغزارة.

ولا يُعفى القطاع الحضري من المسؤولية. فمتوسط استهلاك الفرد في طهران يتراوح بين 185 و200 لتر يوميًا، وهو أعلى بكثير من المعايير الدولية. كما يُهدر نحو 350 مليون متر مكعب سنويًا بسبب شبكة التوزيع القديمة والمتسرّبة. وتُستخدم كميات كبيرة من مياه الشرب النظيفة لريّ حدائق المدينة أو لتبخيرها من خلال ملايين المبرّدات الصحراوية في الصيف.

ومن المهم أن يعرف القارئ العربي أنّ إيران واحدة من الدول القليلة التي تضخّ مياه شرب معقّمة مباشرة إلى كل صنبور منزلي، حتى صنابير الحمّامات، وهو أمر لا يتوفّر في كثير من الدول، إلاّ أن هذا الإنجاز أصبح الآن عبئًا في ظل انخفاض الموارد وارتفاع الاستهلاك.

وزادت العقوبات الأميركية من صعوبة الوضع. فهي ليست سبب الأزمة، لكنها عطّلت قدرة البلاد على تحديث البنى التحتية والحصول على التقنيات الحديثة وتوفير التمويل اللازم لإدارة المياه، أي أنها ضاعفت هشاشة القدرة على التكيّف.

 

حين ينفد الهواء أيضًا

في المدن الكبرى، يؤدي تلاقي الجفاف وغياب الرياح والاحتباس الحراري وحرق الوقود الثقيل إلى مستويات تلوّث خطيرة. تدخل طهران والأهواز وأصفهان وأورمية مرارًا في النطاق الأحمر، بحيث تنصح السلطات السكان بتجنّب الخروج تمامًا. وعندما لا يتجاوز عدد «أيام الهواء النظيف» أصابع اليد، ويتجاوز عدد «الأيام غير الصحية» المئة، يصبح من الواضح أن النظام البيئي الحضري لم يعد قادرًا على تنظيف نفسه. والتأثيرات لا تقتصر على الجهاز التنفسي، بل تمتد إلى النوم والقلب والقدرات الذهنية ونموّ الأطفال.

وتتكرّر ظاهرة الاحتباس الحراري كل شتاء، نتيجة تراكم مشكلات عمرانية وهيكلية كالتوسّع المدني الفوضوي والازدحام المروري وأسطول السيارات القديمة والمتهالكة ووسائل النقل العام التي لا تغطي حاجات السكان بالإضافة إلى أنواع الوقود الملوّثة. ويُفاقم الجفاف هذه الدورة: فقلة المساحات الخضراء تعني زيادة الغبار، وزيادة الغبار تُفاقم تلوث الهواء، وتلوث الهواء يُزيد من المخاطر الصحية. ويُعزز نقص المياه وتدهور جودة الهواء بعضهما بعضًا في حلقة بيئية مُعقدة.

ولا يقتصر الانهيار البيئي على المدن. ففي خوزستان، رغم أنهارها الكبيرة، تتضرّر الزراعة والقرى من شحّ الماء. وفي جيلان الرطبة، تجفّ المستنقعات وتصبح الأنهار شبه جافة. أما سيستان وبلوشستان، فقد تحوّل جفاف بحيرة هامون إلى كارثة بيئية وإنسانية دفعت الآلاف إلى الهجرة.

وتزداد الصورة قتامة مع حرائق الغابات المتكررة، وخصوصًا في غابات الهيركانيا العريقة، إحدى أقدم الغابات العريضة الأوراق في العالم. أدّت الحرارة الشديدة والجفاف ونقص الرطوبة وضعف قدرات الإطفاء، إلى تدمير مساحات واسعة. لا تقتصر أضرار هذه الحرائق على الأشجار فحسب، بل تمتد لتشمل تدمير الموائل الطبيعية وتسريع تآكل التربة وتقليل قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري الإقليمي. فالنظم البيئية التي صمدت لملايين السنين في وجه التغيرات المناخية، باتت اليوم عرضة لخطر عدم الاستقرار الناجم عن الأنشطة البشرية في غضون سنوات قليلة.

 

إيران أمام مفترق تاريخي

الأزمة البيئية في إيران ليست أزمة مناخ فحسب، إنها أزمة حوكمة وتنمية وعلاقة بين المجتمع والأرض. على مدى آلاف السنين، ابتكر الإيرانيون تقنيات مثل القنوات الجوفية (قنوات القناط) لإدارة المياه بشكل مستدام، غير أن السياسات الحديثة فضّلت الاستهلاك على التوازن والتوسّع على الحماية، ممّا أدى إلى اختلال التوازن القديم بين الإنسان والطبيعة.

ومع ذلك، تبقى حقيقة مهمّة تحتاج الصحافة العربية إلى معرفتها: أن إيران، رغم كل أزماتها، لا تزال توفّر مياه شرب صالحة مباشرة لكل منزل، وهي ميزة نادرة في الشرق الأوسط، لكن هذه الميزة لم تعد مضمونة، فالشبكة لا تزال قائمة لكنها باتت تحت ضغط لم تشهده منذ تأسيسها.

وهكذا تقف إيران على عتبة خيار تاريخي: الاستمرار في مسار ينهك مواردها ويقلّل قابلية مدنها للحياة، أو البدء بعملية إصلاح طويلة ومعقّدة تشمل إدارة المياه والسياسات البيئية والنموذج التنموي بأكمله. قد يبدو مفاجئًا للقارئ العربي أن حضارة اشتهرت بإدارة المياه منذ آلاف السنين، وكانت أغزر موارد مائية من معظم جيرانها—وصلت إلى حافة الانهيار بهذه السرعة.

وهكذا تقف إيران اليوم عند مفترق طرق تاريخي: فإما أن تستمر في مسارها الذي استنزف مواردها الطبيعية وأدى إلى تدهور قابلية مدنها للسكن والحياة، أو أن تبدأ العمل الشاق والطويل لإعادة هيكلة إدارة المياه وإصلاح أولويات التنمية وبناء سياسات بيئية مستدامة. قد يستغرب القارئ العربي أن حضارة عريقة في إدارة المياه، بقنواتها الجوفية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين ومياهها العذبة الوفيرة مقارنةً بجيرانها، وصلت إلى حافة الانهيار بهذه السرعة. أما بالنسبة للإيرانيين، فالأزمة هي مع كل نفس يزداد ثقلاً، وفي كل سماء تزداد ظلمة، وفي كل طبقة مياه جوفية تتقلّص.

مستقبل إيران لن تحدّده كمية الأمطار العام المقبل، بل القرارات التي تُتخذ اليوم، وهي قرارات ستحدّد ما إذا كانت هذه الأرض ستبقى قابلة للعيش أو ستتجه نحو مرحلة يصبح فيها الهواء والماء والحياة أكثر هشاشة.

أصفهانإيرانالجفافالمياهطهرانكرمان
شاركها 0 FacebookTwitterPinterestThreadsBlueskyEmail
المقالة السابقة
قطاران نحو رئاسة الحكومة… والسوداني محطتهما الأخيرة؟

قد تعجبك أيضاً

قطاران نحو رئاسة الحكومة… والسوداني محطتهما الأخيرة؟

2025-12-02

كيف عزّز الهجوم الإسرائيلي سردية السلطة في إيران؟

2025-11-21

ماذا لو أصبحت الحكومة المافيا؟

2025-11-06

كيف تبني بريطانيا حضورها داخل الجيش اللبناني؟

2025-10-31

استهداف الدوحة يفضح المستور: تعاون عربي مع إسرائيل ضد إيران

2025-10-13

إسرائيل تنسف الوساطات وتُربك “أمن الخليج”

2025-10-07

Recent Posts

  • بلا هواء…بلا ماء…بلا حياة: عن تفكّك البيئة في إيران
  • قطاران نحو رئاسة الحكومة… والسوداني محطتهما الأخيرة؟
  • الجدار البشري الأوكراني.. لماذا ترفض أوروبا وقف الحرب؟
  • خطة ترامب لأوكرانيا: انتصار “على مقاس” روسيا
  • أوكرانيا في بيروت: من الاتصالات إلى معركة السرديات

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

تابعونا

Top Selling Multipurpose WP Theme

المنشورات الحديثة

  • بلا هواء…بلا ماء…بلا حياة: عن تفكّك البيئة في إيران

    2025-12-11
  • قطاران نحو رئاسة الحكومة… والسوداني محطتهما الأخيرة؟

    2025-12-02
  • الجدار البشري الأوكراني.. لماذا ترفض أوروبا وقف الحرب؟

    2025-12-01
  • خطة ترامب لأوكرانيا: انتصار “على مقاس” روسيا

    2025-11-29
  • أوكرانيا في بيروت: من الاتصالات إلى معركة السرديات

    2025-11-29
  • كيف عزّز الهجوم الإسرائيلي سردية السلطة في إيران؟

    2025-11-21

تغذية الشبكات الاجتماعية

تغذية الشبكات الاجتماعية

اختيارات المحررين

القارة الأفريقية.. صديقة روسيا الجديدة بدلاً من أوروبا؟

2023-08-08

“حمّى” مصادرة الأصول تستعر بين روسيا وأوروبا

2024-05-14

السمك.. عنوان انتخابي في بريطانيا

2024-06-21

كيف منعت السّعوديّة الغرب من مصادرة أصول روسيا؟

2024-07-21

حملة تبرّعات أوكرانية في لبنان تُغضب موسكو

2024-10-09

النشرة الإخبارية

جميع الحقوق محفوظة لموقع مرصد الشرق الأوسط، تصميم وتطوير leenkat.com

  • من نحن
  • خدمات المرصد
مرصد الشرق الأوسط
  • الرئيسية
  • الشرق الأوسط
  • أوراسيا
  • أميركا
  • أفريقيا
  • الإقتصاد العالمي
  • خدمات المرصد
  • من نحن