شكّل الإعلان عن اندماج أكثر من ثلاثين فصيلاً مسلّحاً في محافظة السويداء ضمن تشكيل جديد يحمل اسم “الحرس الوطني” تطوراً لافتاً في المشهد السوري المحلي، وأثار جملة من الأسئلة حول طبيعة الخطوة، توقيتها، ومدى قدرتها على تغيير ميزان القوى داخل المحافظة.
أُعلن عن التشكيل السبت الماضي، حيث أكد ممثلون عن الفصائل المندمجة التزامهم بالمهام الدفاعية الموكلة إليهم، وتعاونهم مع باقي القوى الرديفة في سبيل حماية الجبل والهوية التوحيدية. كما شدّدوا على التزامهم بقرارات الشيخ الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، حكمت الهجري، الذي جرى تكريسه كمرجعية دينية وسياسية لهذا التشكيل.
مهام معلنة وصورة مؤسسية
تضمّنت البيانات الصادرة عن “الحرس الوطني” تحديداً واضحاً لمجال عمله: مكافحة الإرهاب، التصدي لمحاولات تمدد تنظيمات متطرفة مثل “داعش”، إضافة إلى الانخراط في التعاون الإقليمي والدولي عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات العسكرية. ويستند التشكيل جزئياً إلى ضباط سابقين خدموا في الجيش السوري، جرى التعاقد معهم في الأشهر الماضية، غير أنّه لم يسجَّل له حضور فعلي في المواجهات الأخيرة داخل السويداء بين الفصائل المحلية وقوات وزارة الدفاع والأمن العام، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرته على التحول إلى قوة ميدانية مؤثرة.
دلالات التوقيت
اختيار هذا التوقيت يكتسب أهمية خاصة. فالإعلان يعكس أولاً صعود مكانة الشيخ حكمت الهجري على حساب زعامات تقليدية أخرى، سواء من شيوخ العقل أو من الشخصيات المحلية مثل يوسف جربوع وحمود الحناوي وحسن الأطرش. كما يأتي في ظل مناخ شعبي رافض للتقارب مع دمشق، بعد أشهر من التوتر والاشتباكات التي عمّقت الشرخ بين أبناء السويداء والسلطة المركزية.
في السياق الأوسع، يتقاطع التشكيل مع مناخ دولي يتحدث عن بدائل للحكم المركزي الصارم في سوريا. فالمبعوث الأميركي توم براك كان قد ألمح إلى الحاجة لصيغ لامركزية جديدة لا تصل إلى مستوى الفيدرالية الكاملة، لكنها تمنح المجتمعات المحلية أدواراً أكبر في إدارة شؤونها. ومن هنا، يرى مراقبون أن الإعلان يكتسب بعداً سياسياً لا يقتصر على الجانب الأمني.
تحديات داخلية
رغم الصيغة التوحيدية التي يطرحها “الحرس الوطني”، فإن عدداً من العقبات يظل قائماً. أولها انعدام الانضباط العسكري؛ فغالبية الفصائل في السويداء لم تُظهر خلال الأشهر الماضية استعداداً للالتزام بقيادة مركزية أو بخطط ميدانية يضعها ضباط مختصون، بل استمرت بالعمل وفق نمط “الفزعة” التقليدي. ثانيها مسألة القيادة، حيث لم يُحسم بعد إن كانت ستؤول إلى شخصية عسكرية ذات خبرة، أو إلى سلمان الهجري، نجل الشيخ حكمت، الذي لا يُعرف عنه امتلاك خبرات تنظيمية كافية لإدارة تشكيل بهذا الحجم.
إلى جانب ذلك، تبرز إشكالية غياب بعض الفصائل الكبرى التي لعبت أدواراً بارزة في المواجهات الأخيرة، ولم تنضم حتى الآن للتشكيل الجديد، ما قد يحدّ من قدرته على فرض نفسه قوة جامعة. أما التحدي الرابع فيرتبط بمسألة التمويل والمساعدات، إذ يخشى مراقبون من أن تفتح هذه النقطة الباب أمام نزاعات داخلية، كما حصل سابقاً في توزيع المساعدات الإنسانية والمحروقات.
ردود الفعل والانقسام المحلي
الخطوة حظيت بترحيب لدى قطاعات واسعة من أبناء السويداء الذين يرون فيها محاولة لفرض الأمن وضبط الفوضى. في المقابل، أبدت قيادات محلية معارضة تحفظها على الاسم والتوقيت، معتبرة أن استنساخ تسمية “الحرس الوطني” يحيل إلى تجارب خارجية مثل “الحرس الثوري الإيراني”، وأنه قد يفتح الباب أمام انقسامات أوسع بدلاً من توحيد الصفوف.
في المحصلة، يمكن القول إن “الحرس الوطني” هو محاولة لتأطير القوة العسكرية في السويداء ضمن إطار واحد، لكنّه سيظل مشروعاً غير مكتمل، يواجه عقبات تتعلق بالقيادة، الانضباط، التمويل، وغياب بعض القوى المؤثرة. صحيح انه من المبكر الحكم على قدرته في التحول إلى مؤسسة منضبطة تساهم في ضبط الأمن. لكن المؤكد أنّ الخطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز البعد العسكري، وتطرح تساؤلات حول مستقبل علاقة السويداء بدمشق، وحدود دور المرجعية الروحية للطائفة في رسم ملامح المرحلة المقبلة.