النُخب في إقليم كردستان ترى أنّ الزيارة لم تكن مجرد “محطة بروتوكولية”، وإنّما “نقطة ارتكاز” في مسار ديبلوماسي تصاعدي، يعتمد مقاربة “الواقعية” في بناء تحالفات متوازنة، تستند إلى المصالح الأمنية والاقتصاد، والتقارب الجيوسياسي.
تمثل العلاقات بين إقليم كردستان العراق ودولة الإمارات العربية المتحدة، نموذجاً يُسهم في تحقيق السلام والتنمية في المنطقة. الزيارة الأخيرة التي أجراها رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني إلى أبوظبي مطلع الأسبوع الحالي، تأتي لتسلّط الضوء على جانب من مستقبل هذه العلاقات الواعدة، والتي من المتوقع أن تشهد تطوراً مستمراً في المجالات الاقتصادية، الأمنية، والثقافية.
النُخب في إقليم كردستان ترى أنّ الزيارة لم تكن مجرد “محطة بروتوكولية”، وإنّما “نقطة ارتكاز” في مسار ديبلوماسي تصاعدي، يعتمد مقاربة “الواقعية” في بناء تحالفات متوازنة، تستند إلى المصالح الأمنية والاقتصاد، والتقارب الجيوسياسي. بينما تأتي الزيارة في توقيت إقليمي مشحون، إذ يتصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، ويضطرب المشهد في العراق أمنياً عشية الصدام مع الأذرع الإيرانية، فضلاً عن تزايد الحضور التركي في شمال العراق وسوريا، الذي يتزامن بدوره مع إعادة تموضع أميركي مستجدّ في المنطقة.
لكل هذا، كانت الزيارة فرصة هامة من أجل إعادة التأكيد على التعاون الثنائي بين الطرفين، حيث اجتمع بارزاني مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. فأتى الاجتماع بين الجانبين في وقت يشهد فيه الإقليم والامارات مرحلة من “التقارب الاستراتيجي” في مجالات متنوّعة، مكتسياً أهمية لناحية تبادل الآراء بشأن سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجانبين.
في نظر الإقليم، فإنّ الإمارات “طرف فاعل” في ترتيبات مراحل “ما بعد الصراع” (أي صراع)، ولهذا تكتسب العلاقة بها أهمية في محاولة فتح قنوات الحوار مع الدول المتناقضة. كما أنّ العلاقة مع أبوظبي هي فرصة من أجل تركيز الاستثمارات على البنى التحتية والممرات التجارية، بجو هادئ وبعيد عن التصعيد الإعلامي والسياسي.
وعليه، فقد ركز الحوار بين الطرفين على جوانب حيوية، كُشف من بينها:
– التعاون الاقتصادي: تم الاتفاق على تعزيز التعاون في مجال الاستثمار والبنى التحتية في الإقليم، إذ تعتزم الإمارات الاستثمار في مشاريع ضخمة في كردستان.
– الطاقة والموارد الطبيعية: من المتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين تطوراً في مجالي النفط والغاز. وتُعتبر الإمارات من أكبر المستثمرين في قطاعات الطاقة على مستوى الشرق الأوسط. ومن المعروف أن إقليم كردستان ذائع الصيت بموارده الطبيعية الوفيرة، ولهذا فإنّه يشكل أرضاً خصبة للاستثمارات الإماراتية.
– التعاون الأمني والعسكري: تناول الاجتماع قضايا الأمن الإقليمي، فبحث الطرفان في كيفية تعزيز التعاون بمجال “مكافحة الإرهاب” وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وتتمتع العلاقات بين إقليم كردستان والإمارات بفرص واعدة في العديد من المجالات، أهمها:
- التبادل التجاري: الإمارات تُعد واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لإقليم كردستان. وتعتبر دبي مركزاً تجارياً مهماً، وهو ما يجعلها “نقطة وصل” رئيسية لإقليم كردستان مع الأسواق العالمية. ومن المتوقع أن يتوسّع التبادل التجاري في المستقبل، مع التركيز على قطاع النفط والغاز.
- التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي: ثمة فرص من أجل تطوير التعاون في المجالات الأكاديمية، بخاصة تلك التي تتعلق بالجامعات والمراكز البحثية بين البلدين. فإقليم كردستان يمتلك كفاءات كبيرة في هذا المجال، بينما تقدّم الإمارات بيئة تعليمية متطورة ورائدة في المنطقة.
- التكنولوجيا والابتكار: مع سعي الإمارات لأن تكون رائدة في مجال الابتكار والتكنولوجيا على مستوى الشرق الأوسط، وخصوصاً في مجالات الذكاء الصناعي، فإن التعاون بهذا الشأن مع إقليم كردستان سيوفر للطرفين فرصاً كبيرة بهذا المجال إضافة إلى مجالات أخرى مثل تكنولوجيا المعلومات، والطاقة المتجددة.
- السياحة: يسعى إقليم كردستان إلى جذب السياح من كل أنحاء العالم، وطبعاً بما فيها الإمارات. فمع وجود معالم سياحية تاريخية وثقافية في الإقليم، يمكن تعزيز حركة السياحة بين الجانبين، وجذب السياح الإماراتيين.
- المساعدات الإنسانية والتنمية: تتميّز الإمارات بدورها الفاعل وسخائها في تقديم المساعدات الإنسانية. وبما أن إقليم كردستان يحتاج إلى دعم في إعادة البناء وتنمية المناطق التي تأثرت بالحروب والنزاعات. فمن الممكن أن تلعب الإمارات دوراً محورياً في هذا المجال، وذلك عبر تعزيز الاستثمارات والمشاريع الإنمائية.
ومن المعروف أنّ العلاقة بين الإمارات والإقليم ليست وليدة اللحظة، وقد شهدت تطوراً بارزاً خلال السنوات العشر الأخيرة، واستمرت أبوظبي في تقديم الدعم للإقليم، سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال السياسي.
ففي العلاقات السياسية، يتبنى إقليم كردستان سياسة التوازن بين علاقاته مع دول الجوار، بما في ذلك تركيا وإيران، وكذلك تعزيز علاقاته مع دول الخليج. وتُعد علاقاته بالإمارات متوازنة وداعمة لتحقيق مصالح الطرفين. أما في الشأن الاقتصادي فيُعد الإقليم من أكبر مناطق العراق التي تتمتع بمستوى متقدم في جذب الاستثمارات من خارج البلاد. والإمارات بما لها من ثقل اقتصادي، تشكل جزءاً مهماً من استراتيجية كردستان لتعزيز الاقتصاد.
تأتي هذه الزيارة في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تحديات جيوسياسية، ويتطلب التعاون بين الدول الفاعلة تعزيز العمل المشترك لتحقيق مصالح الجميع. وعليه، فإنّ التنسيق الكردستاني مع أبوظبي قد يشكّل نموذجاً يُحتذى به للتعاون الإقليمي.