ارتفع سعر الذهب بشكل حاد خلال العام الجاري، متخطياً حاجز 3 آلاف دولار للأونصة الواحدة، وهو أعلى مستوى له في التاريخ. تلك الزيادة تمثل ارتفاعاً نسبته 14% منذ بداية العام، و38% على مدار الـ12 شهراً الماضية. لكن مع تصاعد المخاوف من ركود اقتصادي عالمي، يبرز التساؤل: هل يمكن أن تؤدي هذه المخاوف إلى تراجع أسعار الذهب؟
قبل الإجابة على هذ السؤال لا بدّ لنا من أن نعرف الأسباب والعوامل التي ساهمت في ارتفاع أسعاره القياسية:
- التوترات التجارية الأميركية: فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولة جديدة من الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين الرئيسيين، مما دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الأصول الآمنة مثل الذهب.
- السياسات النقدية للفدرالي الأميركي: برغم توقف مجلس الاحتياطي الفدرالي (المركزي الأميركي) عن خفض أسعار الفائدة، فإنّ التكهنات بإمكانية تخفيضها مستقبلاً عزّزت الطلب على الذهب، إذ يقلل انخفاض الفائدة من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الثمين (المركزي الأميركي أعلن الحفاظ على المعدلات نفسها).
- زيادة مشتريات المصارف المركزية: التي ارتفعت إلى ألف طن عام 2024، واستمر هذا التوجه خلال عام 2025 الجاري، مما عزّز الطلب على المعدن الأصفر.
- المخاوف من الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي: فالتقلبات الاقتصادية وضعف العملات، جعلتا المستثمرين يتجهون إلى الذهب، بوصفه ملاذا آمنا ضد التضخم وعدم اليقين المالي.
على الرغم من أنّ الذهب وصل إلى مستويات قياسية، فإن المخاوف من الركود قد تؤدي إلى تصحيح سعري لأسعاره… هل يشهد سعر الذهب هبوطاً في المستقبل؟ يبدو احتمال انهيار أسعار الذهب ضعيفاً، برغم التحذيرات من إمكانية حدوث “تصحيح سعري”، استنادا إلى سوابق تاريخية لعمليات تصحيح كبرى، منها تلك المحطات:
– في عام 1980: تراجع الذهب بنسبة 65% من 850 دولاراً للأونصة إلى 300 دولار، بسبب رفع الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة إلى 20% لمحاربة التضخم.
– من 1999 إلى 2001: انخفاض بنسبة 38% من 400 دولار للأونصة إلى 250 دولاراً نتيجة بيع المصارف المركزية الأوروبية احتياطات كبيرة من الذهب.
– في عام 2008: تراجع بنسبة 30% من ألف دولار للأونصة إلى 700 دولار بعد انهيار بنك “ليمان براذرز” والأزمة المالية العالمية.
– من 2011 إلى 2015: شهد سعر الذهب تصحيح بنسبة 45% من 1920 دولاراً للأونصة إلى 1050 دولاراً بسبب إشارات الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة.
– في العامين 2020 و2021: انخفاض سعر الذهب بنسبة 19% من 2075 دولاراً للأونصة إلى 1675 دولاراً نتيجة تعافي الأسواق بعد جائحة كورونا.
لكن بمعزل عن تلك المحطات، فما الذي قد يؤدي إلى تصحيح أسعار الذهب اليوم؟ هناك عدة سيناريوهات قد تدفع أسعار الذهب إلى التراجع خلال الأشهر المقبلة:
- قوة الدولار الأميركي: إذا أدى الركود إلى زيادة الطلب على الدولار ليكون ملاذاً آمنا، فقد يتراجع الذهب بسبب العلاقة العكسية بينهما.
- بيع المستثمرين الذهب بسبب أزمة سيولة: في حال حدوث ركود اقتصادي عميق، قد يلجأ المستثمرون إلى بيع الذهب لتغطية خسائرهم في الأسواق المالية.
- رفع أسعار الفائدة: إذا قامت المصارف المركزية، وخصوصاً الاحتياطي الفدرالي، برفع أسعار الفائدة بعد الركود، فقد يقلل ذلك من جاذبية الذهب مقارنة بالأصول المدرة للعوائد.
وعلى الرغم من أنّ الذهب قد وصل مؤخراً إلى مستويات قياسية، فإنّ المخاوف من الركود قد تؤدي إلى تصحيح سعري وليس انهيار كامل. فبينما يظل الذهب ملاذاً آمنا في أوقات الأزمات، فإنّ أيّ تغيرات في السياسة النقدية أو تعافي الدولار الأميركي قد تدفع أسعار الذهب إلى التراجع.