في خطوة فاجأت الكثيرين، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من على منبر “منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي” في الرياض، رفع العقوبات الأميركية عن الحكومة السورية الجديدة، واضعًا حدًّا لأكثر من عقد من الجمود في سياسة واشنطن الخارجية حيال دمشق.
ورغم أن سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024 كان من المفترض أن يفتح الباب أمام هذه الخطوة، إلاّ أن القرار بدا كتحوّل جذري مقارنةً بالإجماع التقليدي السائد في أروقة العاصمة الأميركية منذ سنوات.
سوريا بعد الأسد: الحاجة إلى الاستقرار
رغم أن سوريا الجديدة قد لا تُعدّ من أولويات المصالح الإقليمية الأميركية، إلاّ أنّ وحدتها واستقرارها الاقتصادي يشكّلان عاملين مهمّين في احتواء فلول تنظيم “داعش”، ومنع تمدّد النفوذين الروسي والإيراني. ومن منظور واشنطن، فإن سوريا المستقرّة تعني أيضًا احترام السيادة اللبنانية وعدم تشكيل تهديد أمني لإسرائيل.
في ظل غياب التمويل الدولي الكافي، يُفترض أن تضطلع الدول الخليجية الثرية بدورٍ ريادي في إعادة إعمار سوريا. كما أن موقعها الجغرافي والأغلبية السنّية فيها يجعلان من تركيا شريكًا أساسيًا، رغم النفور الأميركي من تعاظم النفوذ التركي في المنطقة.
واشنطن بين الخوف من الإسلاميين ومتطلبات الإنعاش
أثار وصول “هيئة تحرير الشام” (HTS) إلى السلطة قلقًا في واشنطن، خصوصًا بسبب تصنيفها كمنظمة إرهابية. ورغم التطمينات الأولية، ظلت المخاوف قائمة من انتهاكات لحقوق الإنسان أو عمليات انتقام ضدّ الأقليات. ورغم أن الحكومة الجديدة تمكّنت إلى حدّ بعيد من ضبط الأمن وتجنّب السيناريوهات السوداوية، إلا أن حادثة استهداف العلويين في آذار الماضي أبقت هذه الهواجس حيّة.
وفيما اكتفت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة بمنح استثناءات محدودة في العقوبات (شملت الطاقة والمساعدات الإنسانية والتحويلات)، أبقت “قانون قيصر” ساريًا حتى العام 2029، ما شكّل عائقًا كبيرًا أمام أي انتعاش اقتصادي فعلي.
كانت المقاربة التقليدية تشترط على دمشق سلسلة من “المعايير” في الحوكمة والانتقال الديمقراطي مقابل رفع كامل للعقوبات، وهو ما كان ليعني، عمليًا، استمرار الحصار الاقتصادي لسنوات طويلة. حتى أن الدستور الموقّت الحالي، الصادر بمرسوم، لن يُستبدَل قبل ثلاث سنوات، بحسب السلطات الجديدة، مع الإبقاء على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع.
ورغم أن الحياة في المدن الكبرى عادت إلى بعض طابعها المدني – حيث يُسمح للنساء بالخروج دون الحجاب، وتُباع المشروبات الكحولية – إلا أن هذه المؤشرات لا ترقى، في نظر الغرب، إلى مستوى “الديمقراطية الليبرالية” المأمولة.
إسرائيل واحتمالات التقسيم
في موازاة ذلك، كثّفت إسرائيل تحرّكاتها شمال وشرق الجولان، مستغلّة الانهيار السوري وهشاشة “حزب الله”. نفّذت ضربات جوية استباقية، وبسطت سيطرة فعلية على بعض المناطق، وسط حديث داخل اليمين الإسرائيلي عن خيار “تقسيم سوريا”، كما صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
ولم تقتصر التحرّكات الإسرائيلية على الجانب العسكري، بل شملت أيضًا محاولات لاستمالة الطائفة الدرزية جنوب غربي دمشق، عبر إصدار تصاريح عمل، وتنظيم زيارات دينية، في سياق يُخشى أن يكون جزءًا من استراتيجية فصل مناطق عن سيادة دمشق.
ومع أن المجتمع الدرزي لا يخفي تردّده حيال الإسلاميين الذين يمسكون بزمام الحكم، إلاّ أنّ خياراته تبقى محدودة في ظل صراع المصالح الإقليمي.
ترامب يخرق الجمود
في نهاية المطاف، شكّل قرار ترامب برفع العقوبات تحوّلًا مفاجئًا لكنه عقلاني في سياق الواقعية السياسية. فالرهان على تقسيم سوريا أو إبقائها ضعيفة لا يخدم المصالح الأميركية كما يفعل استقرارها ووحدتها. سوريا، حتى وهي منهكة اقتصاديًا، لا تملك الموارد الكافية لإعادة بناء جيش يهدّد إسرائيل، لكن في المقابل، فإن دعمها لتقوية بنيتها التحتية وإنعاش اقتصادها عبر الاستثمارات الخليجية والغربية، سيُبعدها عن الارتهان لموسكو أو طهران، ويمنحها هامشًا سياديًا ضروريًا لأي مشروع استقرار طويل الأمد.
بقلم: غريغ بريدي (ناشيونال إنترست) | ترجمة وتحرير: مرصد الشرق الأوسط