في كل زاوية من القارة الأفريقية، تستقبل شعوب المنطقة عيد الأضحى المبارك بمزيج من الروحانية والهوية الثقافية، تخليدا لشعائر دينية وإحياءً لموروث تعود جذور تفاصيله إلى مئات السنين. ورغم الحروب، والنزوح، والمآسي، فإن المسلمين في القارة السمراء لا يتركون مناسبة دينية إلا خلّدوا شعائرها، وحاولوا تمثّل جزء من قيمها.
ومن صحاري مالي إلى غابات أوغندا، ومن مدن زنجبار الساحلية إلى أعماق اليابسة في النيجر، يحتفل عشرات الملايين من المسلمين بعيد الأضحى الذي يوافق الـ10 من ذي الحجة من كل سنة.
ورغم وحدة الشعيرة والمقصد من الذكرى، كل مجتمع في أفريقيا يخلّد المناسبة بطريقته التي تعكس خصوصيته الثقافية والاجتماعية، وتحكي جزءا من مسار تاريخه وتشكّل دولته.
طقوس ما قبل العيد
في قارة أفريقيا، لا يحلّ موعد العيد فجأة، ففي كثير من المجتمعات، تبدأ التهيئة قبل أسبوع أو أكثر، بحيث تنظّف المنازل وتصنع الحلوى، ويذهب الناس إلى الأسواق والمحال التجارية لشراء الملابس الجديدة.
ففي دولة مالي يتمّ تأمين ملابس الأطفال قبل العيد بأيام، وغالبا ما تعكس الزي التقليدي للمجتمع، وتشهد الأسواق ومحال تصميم الأزياء اكتظاظا شديداً في تلك الفترة.
وفي دولة السنغال التي يمثّل الإسلام فيها نسبة تفوق 95% وتشهد حضورا قويا للحركات الصوفية بمختلف مشاربها، فإن الناس تبدأ بالتحضير لعيد الأضحى قبل فترة قد تصل إلى شهور، بحيث يعتبر شراء الأضحية وربطها أمام المنزل مظهراً اجتماعياً من أهم ملامح هذه المناسبة. وقبل أيام، نشرت صفحة رئاسة الجمهورية في السنغال صورا للرئيس باسيرو فاي يتجوّل في سوق المواشي ويسأل عن أسعار الخراف.
وفي السنغال والعديد من دول غرب أفريقيا، يُعرف عيد الأضحى باسم “تباسكي”، كما يطلق عليه في لغة الهوسا “بابان صلاة” أي الصلاة الكبرى.
صلاة العيد: الميدان للجميع
مع طلوع شمس العيد، تتدفّق الجموع إلى الساحات المفتوحة في نيجيريا، وتبدو مشاهد الصلاة لوحة بشرية هائلة تتوشّح بالملابس التقليدية المطرزة.
وفي إثيوبيا، يمتزج صوت الآذان بروحانية الأهازيج المحلية، لحيث يرتل بعض الأئمة الأدعية بلغات كالأمهرية والصومالية والأورومو، ويحرص الجميع على الخروج إلى الساحات والملاعب التي تنظم فيها الصلاة. ويعتبر عيد الأضحى فرصة لتبادل التهاني بين المسلمين، وزيارة الأقارب والأصدقاء، وارتياد المراكز الترفيهية، وهو فرصة لنشر خطاب الوحدة وخاصة في بلد يعاني من الخلافات والنزاعات العرقية والطائفية.
وفي تنزانيا، يخرج الناس إلى الأرصفة والشوارع والبحر، حيث تؤدّى الصلاة في كل الطرقات، وبحضور النساء والأطفال.
أزياء العيد
ارتداء الملابس الجديدة في أفريقيا بمناسبة عيد الأضحى المبارك من الضروريات الأساسية التي لا تقل قيمةً وشأناً عن الأضحية، وخاصّة النساء والأطفال. والثياب ليست مجرّد زينة في العيد الأفريقي، بل هي لون ثقافي وخصوصية مجتمعية، إذ يفضّل الناس الملابس التقليدية التي تعكس عمقهم وأصالتهم الأفريقية.
وفي غانا، ترتدي النساء “الكينتي” المزركشة بألوان حيوية مستوحاة من الطبيعة، بينما في تنزانيا، يلبس الرجال “الكانزو” وتغطي النساء رؤوسهن بأوشحة ملوّنة بألوان العلم الوطني.
وفي دولة النيجر ذات الجذور الأفريقية المتنوّعة، تشكّل الملابس التقليدية محور العيد، وترسم صورة المجتمع وتنوّعه العرقي والثقافي، إذ يلبس الطوارق والعرب ملابس قريبة من “الدراعة” الموريتانية، ويرتدون لثام “رجال الصحراء الملثمين”.
أما في نيجيريا، فإن الملابس المزركشة هي سمة العيد الأساسية، إضافة إلى احتفالات، يتخللّها استعراض للخيول وطلقات نارية لإثارة الحماس.
موائد وأطباق
في أفريقيا، لا يُترَك أحد وحده يوم العيد، فما إن تنتهي الصلاة، حتى تبدأ الولائم وتوزيع الطعام وتبادل الأطباق بين الجيران والأقارب.
ففي دولة تشاد، تُصنع أطباق “العجينة الزرقاء” وعدد من الوجبات التقليدية التي تميّز المجتمع المتنوّع، وتُوزّع اللحوم على الجيران والأقارب.
وفي كوت ديفوار، يُحضّر “الأتيكي” (وجبة محلّية تشبه الكسكسي) مع صلصة اللحم والفلفل، أما في جزر القمر، فيتفنن الأهالي في إعداد الأرز المعطر بجوز الهند، إلى جانب أطباق السمك الطازج.
وعموما، فإن وجبات الطعام التي تعدّ أيام العيد في أفريقيا، ليست مجرّد غذاء، وإنما هي فعل مشاركة، وامتداد لمعنى الأضحية، وتخليد وإحياء لعادات وتقاليد ترجع جذورها إلى حضارات ضاربة في القدم.
الأطفال محور العيد
يعتبر الأطفال محور العيد في قارّة أفريقيا، في قراها ومدنها على حد السواء، بحيث يرتدون ملابسهم الجديدة في وقت باكر من صباح يوم العيد ويخرجون إلى الشوارع والمحال في جولات تشبه عرضا لأزيائهم الجديدة.
ففي دولة النيجر، يصطفّ الأطفال للحصول على “عيدية” من الأقارب، ويجوبون الأحياء بالأناشيد المحلية.
أما في الصومال، فإن ملابس الأطفال يغلب عليها البياض يوم العيد، ويتسابقون إلى إظهار حفظهم للقرآن الكريم، ويحصلون على الحلوى والمكافآت.
وفي مالي، يلبس الأطفال الأزياء التقليدية التي تعكس عمق المجتمع، ويخرجون مع أهلهم للمصليات، وتُقام لهم مسابقات حفظ القرآن والأحاديث، وتُمنح الجوائز الرمزية، في مزج بين الترفيه والتربية.
مناسبة للصلح والتجديد
يُعتَبَر العيد مناسبة دينية لتصفية القلوب وإنهاء القطيعة، وتعميق الأواصر بين الأقارب، وخاصة في المجتمعات الريفية التي يحمل العيد فيها بعداً اجتماعياً عميقاً.
وفي منطقة غرب أفريقيا، يُعتَبَر العيد فرصة للتسامح، إذ يطلب الأقارب والأصدقاء من بعضهم بعضا السماح والعفو عن الأخطاء، وفتح صفحة جديدة من العلاقات.
وفي بعض قرى دولة بوركينا فاسو، تُقام لقاءات عائلية يُدعى إليها من غاب طويلًا للحضور والعيش مع أهله ومحبيه.
وفي دولة كوت ديفوار، تُنظّم بعض القبائل مجالس مصالحة خاصة في عيد الأضحى المبارك، يترأّسها الشيوخ وأئمة المساجد.
*نقلاً عن “الجزيرة.نت”